([color:9226=black][b] 1 )
ماهي القصة القصيرة أولا ؟...
تعرفها
الكاتبة الأمريكيّة الشهيرة ( كاترين آن بوتر ) بأنها تلك التي تقدم فكرة
في المقام الأول ...ثمَّ وجهة نظر..... ومعلومة ما عن الطبيعة البشرية بحس
عميق ..... وبأسلوب أدبي مكثف ....
طبعا أهم مايحددها ( أي القصة
القصيرة ) هي القصة نفسها ......وهذه القصة تكون عادة مختبئة داخل عقل
الكاتب في مكان ما من الذاكرة .... وهو يخرجها من مكانها ليصوغها ويقدمها
للقراء على شكل قصة مثيرة للإهتمام ...وليست مجرد حدث عادي ... ....
ما من شيء يحدث في حياة الإنسان إلا ويصلح أن يكون قصة ....هذا ماقاله سومرست موم ذات مرة .....
إذن
فالمادة القصصية تكمن بداخل الكاتب وهي تمثل بعضا من تجاربه الخاصة
وعلاقاته بالناس وبالأشياء.....وملاحظاته العديدة التي يخزِّنها في نفسه
لوقت الحاجة .... فقط هي تحتاج إلى الموهبة التي تجعل منها عملا فنيا له
قيمته ....
لنتغاضى عن فكرة البعض في أن القصة القصيرة هي أصعب من
كتابة الرواية بسب ضيق المساحة المعطاة للكاتب ...ومطالبتنا له بأن يضغط
أفكاره ومشاعره ...ويرسم شخصياته ... ويقول كل مايريد قوله بأقل عدد من
الكلمات ...
ولنناقش مسائل أخرى مهمة لنا...
بطبيعة الحال لن نتحدث هنا عن عدد الكلمات التي على الكاتب استخدامها ...ولاكيف سيستخدمها ....
ولن نرسم خطوطا يسير عليها كل من يريد كتابة قصة قصيرة مؤثرة......
ولن نضع مقادير ومكونات لمايجب أن تكون عليه القصة القصيرة .. ....
سنقول
فقط أن على من يريد أن يكتب قصة أن لايكتب إلا عن مايشعر أنه قادرٌ على
التعبير عنه بيسر ..و يجيد الكتابة فيه بتمكن ... ويحسُّ أنَّه بصفة خاصة
مفتون به بشكل كبير .......
كلمة افتتان هنا مهمَّة ... فهي بعينها
الكلمة التي استخدمها عالم النفس الشهير كارل يونج حين قال : ( إن الإفتتان
هو المفتاح ... فحين تجد نفسك مفتونا تماما بشيء ما ، فباستطاعتك إذا كنت
مسيطرا على المباديء الأساسية أن تستخدمه في توسيع موهبتك وتجويد ابداعك ).
ولكن انتبهوا هذا الإفتتان لايجب أن يتركَّز على ماهو عادي وواضح
ولايحتاج إلى شرح ...بل يجب أن يتركَّز على ماهو غريب ومثير للإهتمام ....
وعلى
الكاتب بصورة خاصة ملاحظة أن عليه مهمة توصيل هذا الإفتتان المثير إلى
المتلقِّي الذي سيقرأ القصة... ليجعله يشعر بنفس شعوره حين كتبها .
هذا يعني الإستغراق التام في العمل القصصي ...الإندماج فيه ...التمتع بكل تفاصيله .....
وهذا
هو بالضبط ماعناه الرسام (روبرت هنري ) حين أبدى ملاحظته تلك حول الإرتباط
بين الفنان وعمله ....فهو ينصح تلاميذه بقوله ( أنه لكي يكون الفنان ممتعا
للآخرين لابد أن يكون في البداية ممتعاً لنفسه ، وأن يكون قادرا على
الشعور المكثَّف ، والتأمل العميق ) ....
هذه هي أهم النقاط التي يجب على الكاتب الإرتكاز عليها من أجل كتابة قصة مميزة ومثيرة للإهتمام ....وجديرة بمسمى قصة قصيرة ...
ماذا تبقى ؟....
تذكرت
... البداية ..والحبكة.. والنهاية... والشخصيَّة ... والأسلوب القصصي
المكثف الذي يعتمد على الجمل القصيرة واختيار الكلمات المناسبة التي تؤدي
المعنى دون تطويل.......وطبعا الزمن القصصي ....فهو الأهم لدينا ..
وهذا
يعني أن يكون هناك زمن محدد للحدث أوالموقف ...دقائق...ساعات ...يوم مثلا
...أو ليلة كاملة ....تستطيع أن تجعلها يوما وليلة معا ...
ولكن .....
لاداعي لتمطيط الزمن .... حتى لاتتحول القصة إلى شيء آخر ....
وماذا بعد ..؟.......
لا
لن نتدخل في الحدث أو الموقف أو اللحظة التي سيرتكز عليها العمل القصصي
.....هذا متروك لموهبة كاتب القصَّة ...ولدوافعه الشخصيَّة ....
*******************************
( 2 )
نقَّـاد القصة القصيرة يقسمونها إلى مراحل ...هي : البداية ـ الحبكة ـ النهاية ....
وسأستخدم
هذا التقسيم هنا فقط من أجل تسهيل مهمة التركيز على كل قسم على حدة ... مع
المرور على بقية العناصر التي تحتاجها القصة القصيرة من شخصيات وزمن
وأحداث ....وغير ذلك بطريقة سريعة .
نبدأ الآن بمراحل القصة القصيرة أو تقسيماتها الأساسيَّة :
المرحلة
الأولى : البداية : تقول الشاعرة ماريان مور : ( أنا حريصة جدا على الأسطر
الأولى ..أكتبها ، أنتقدها ، أقيِّمها لأن أي شاعرٍ أو كاتبٍ للقصة
القصيرة يعرف بأنَّ من هذه الأسطر الأولى سينبثقُ خياله ويفيض بالعمل
الإبداعي التام ).
إذن فلنعلى من شأن البداية ... فهي الوسيلة التي تشدُّ انتباه القاريء وتجبره على متابعة القصة ..
ولكي نفعل ذلك علينا أن تركِّز النظر على مانكتبه ....
.يقول
الرسام روبرت هنري وهو يتحدث عن فن الرسم " غض النظر عن كل ماليس له صلة
وثيقة بلوحتك " .... ينطبق الأمر على القصَّة ...والقصد هونبذ الإهتمام بأي
شيء غير مباشر ولايتعلق بالقصَّة : كلمات لاقيمة لها .... شخصيات فائضة
وغير ذات أهميَّة ...ملاحظات جانبية ...أي شيء آخر لايخدم الحدث والفكرة
العامة ....
التركيز كله الآن يكون على الجمل التي تبدأ بها القصَّة .......
يقول تشيخوف : " في افتتاحياتنا للقصص نحن في الأرجح نكذب " ....
لابأس بهذا النوع من الكذب المستحبُّ ..إذا كان سينتج عنه عمل جميلٌ ومؤثر ..
أول الجمل له أهمية كبرى في العمل القصصي ...إنه فرصتنا لشد انتباه القاريء وإقناعه بأنَّ لدينا مانقوله ...
نصيحة مهمة للكاتب وهي أن لايتحدث عن قصته قبل كتابتها ...إن حدث ذلك ...فلن تكتب القصة الفعليّة ...
وتحذير أهم ...وهو عدم كتابة قصة ليست لك ...أي قصة حكاها لك شخصٌ آخر ... فهي لن تعبِّر عنك ولن يقتنع بها من تكتبها لهم ....
ابدأ قصتك بالكثير من التصميم ... وتذكر أن الأقل قد يعطي الأكثر.... الكثافة ميزة في القصة القصيرة ...
هاقد
فرَّغت نفسك تماما للعمل ....ووضعت جملك الأولى المثيرة للإنتباه ..
وشحنتها بكل ماتريد من مشاعر أو أفكار.....وكثفتها إلى أقصى حد ... ....
وبالتأكيد
فإنَّ جذور القصة التي تريد كتابتها موجودة في مخيَّلتك ....ولديك سبب
قويٌّ لتكتب عن أحداثٍ وشخصيات معيَّنة ... لذا فمادمت تجاوزت نقطة البداية
فإنَّ عليك أن تضع اهتمامك الكلي على الإتجاه العام للحدث .. ..
لاتقلد
أحدا ... سر متتبعا خطواتك الخاصة ...وابتعد عن التكلف ... التلقائية سمة
جميلة في القصة القصيرة ....وهي تحمل مشاعرك بسهولة إلى القاريء ...
وسيكون الأمر كله سهلا ...وممتعا لك ولقرائك أيضا .
-------------------------
الجزء 3
.............
سبق أن ذكرت أن َّ القصة القصيرة تتكون من بداية وحبكة ونهــاية ....
فماهي الحبكة أصلا ...؟...
إنها
شيء يشبه العصب الذي يجري بطول يرقة الحشرة ، يوجه حركتها وتقدمها نحو
هدفها ...كما تصفها هالي بيرنت كاتبة القصة الشهيرة ومؤلفة كتاب ( كتابة
القصة القصيرة ) ...
الحبكة في القصة القصيرة تتنوع بتنوع أشكالها ... وهي تتحدد حسب الجو الذي تكتب فيه القصة ..
وفي
الواقع فإنَّ ترتيب أجزاء والإبداع والخيال هو مايكوِّن الحبكة .. وموهبة
الكاتب تظهر في تخطي المعنى الظاهري للحدث لتستخلص منه المعنى الأعمق
..فالحبكة تختلف عن الخبر أو التحقيق الصحفي في أنها تأخذ الحدث لتضيف عليه
من الخيال وممايختبيء في الذاكرة من تفاصيل متفرقة مايكسوه ثوبا جديدا
مختلفا عن واقع الحال ... .. باقتدار ودون افتعال أو مبالغة.
في القصة
القصيرة لايحتاج الكاتب لملاحقة نمو الشخصيات وتطورها .... وليس مطالب
بتتبع ماحدث لها في الماضي ...أومايحيط بها من ظروف ومشاكل في الوقت الآني
...... كما أنَّه لن يكون معنياً بكل الأحداث الكثيرة والثانوية التي
يخلقها موقف ما .....أو حدثٌ معيَّن
التركيز كله يكون على شريحة مقتطعة من سياق كامل .... أوأخذ لقطة درامية من نمو الشخصيّـة والعمل عليها بمهارة ...
ورغم
ذلك .... ورغم قصر الموقف أو اللحظة الدرامية .. فالحبكة موجودة بفضل خيال
الكاتب وموهبته ...ومايضيفه من تجاربه الخاصة ومشاعره المتيقِّظة..
لنا أن نتساءل : مالذي يجعل من الحبكة حبكةً جيدة ؟...
والإجابة
ستكون إنه التماسك الداخلي والمنطق النابع من الحالة نفسها ....ووجهة
النظر تلك التي يتبعها الكاتب وهو يقترب من الحدث أو الموقف الدرامي ...
فلا يصح أن تختلط الأمور لدى الكاتب ...
محاولة إثارة مشاعر الحزن داخل
موقف كوميدي عملية صعبة لايجيدها إلا كاتب متمكن ..كذلك إظهار الإجلال
والتقدير لشخصيات مثيرة للمرح ... سيخلق ارتباكا لدى القاريء ...
وعلى كلٍ فإنَّ ( الحبكة هي التي تحدد الجو الذي تكتب فيه القصة وليس العكس )..كما يقول الكوميدي الكبير " ب . جي .وودهاوس "
ونأتي إلى ماسيشغل بال البعض ...وهو كيف ومن أين تأتي الأحداث التي تُبني عليها القصص ...؟؟ .. ...
الأمر لا يحتاج إلا إلى الكثير من التأمل لمانراه حولنا من أحداث بعناية واستيعاب .. ....
طبعا ليس كل متأملٍ للأحداث والمواقف المختلفة هو كاتب بالضرورة ... ..
(
لابد للكاتب أن يجلس إلى نفسه ويتمعن في نشاطات خياله الخاص ، ليلعب
اللعبة حسب قواعد الخيال )....... هذا ماتقوله الكاتبة اليزابيث بووين
موضحة الفكرةالمقصودة ..
كتابة القصة لابد أن تكون الذروة لكل التجارب والعواطف التي مرت بنا والأفراد الذين عرفناهم في مراحل مختلفةمن الحياة .
إنه ذلك الإختزان الخلاق والمنتج لكل مامر بنا وعشناه وشاهدناه .... ثمَّ كيفية إخراجه في للحظة المناسبة .
وكما يقول تولستوي : ( إنَّ الكاتب الجيِّد هو الذي يستطيع أن يكتب قصَّةً كاملة من شجارٍ عابر رآه في الشارع ).[/b][/color][b]..[/b]